شهدت اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والسوق المحلي في المملكة العربية السعودية انتعاشًا قويًا في ضوء تعافيها بوتيرة سريعة من الآثار السلبية لجائحة كوفيد-19، إذ سجل اقتصاد المملكة العربية السعودية نموًا قياسيًا لم يشهده منذ عام 2011م. وعلى الرغم من معدلات التضخم المرتفعة التي تشهدها المنطقة، لا تزال توقعات النمو العام إيجابية.

الاقتصاد العالمي

استمرت التأثيرات السلبية وحالة عدم اليقين التي شهدتها الأسواق في عام 2022م بإلقاء ظلالها على الأسواق العالمية خلال العام على الرغم من تعافيها الأولي السريع، مما أدى إلى تعرض معظم قطاعات الصناعة للتقلبات. ومع استمرار الأزمة الأوكرانية التي بدأت في مطلع العام بكونها أكبر حدث جغرافي سياسي شهدته السنوات الأخيرة، أدت كل هذه العوامل إلى زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي في وقت ظهرت فيه بوادر التعافي من آثار جائحة كوفيد-19، وأثرت سلبًا على أسعار الطاقة، لاسيما في أوروبا. كما تأثرت الحياة اليومية للأفراد بالتضخم الذي طرأ على أسعار المواد الغذائية وكانت تداعياته كبيرة على الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض. إضافةً إلى ذلك، عمدت البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة لمجاراة التضخم الحاصل، لكن قد يُرافق رفع أسعار الفائدة مخاطر من شأنها إدخال الاقتصاد العالمي في حالة ركود خلال عام 2023م.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

عانت اقتصادات المنطقة كذلك من تحديات فرضتها الأزمة الأوكرانية، بما فيها ارتفاع معدل التضخم، لاسيما في واردات السلع الأساسية، مما أدى إلى زيادة التقلبات في أسعار السلع الأساسية. ومع ذلك، شهدت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعافيًا وانتعاشًا في النشاط الاقتصادي خلال عام 2022م. بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام نسبة 6.1% مقارنةً بـ 4.1% في عام 2021م.

كما أثرت الظروف الاقتصادية والتضخم في الاقتصادات المتقدمة على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا يزال معدل التضخم في دول المنطقة مرتفعًا عند 14.2% في المتوسط. ومن المتوقع أن يظل مرتفعًا خلال عام 2023م. علاوةً على ذلك، تأثرت اقتصادات الأسواق الناشئة ومتوسطة الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة سلبية مع ضعف الطلب العالمي وتشديد الأوضاع المالية. وقد أدى ذلك إلى زيادة الدين الحكومي وتفاقم ديناميكية الدين.

من ناحية أخرى، ارتفع نصيب الفرد من الإنتاج المحلي الإجمالي في الدول متوسطة الدخل المصدرة للنفط بنحو 3.9% في عام 2022م. وبالنسبة للدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تُمثل الديناميكيات العالمية المتغيرة فرصة كبيرة لزيادة صادرات النفط وتحسين أسعار صرف العملات الأجنبية.

المملكة العربية السعودية

تُشير التوقعات إلى أن المملكة العربية السعودية ستصبح واحدة من أسرع الاقتصادات الرئيسية نموًا في عام 2022م في ضوء نمو الإعلاناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 8.8% في عام 2022م، وهو أسرع معدل نمو منذ عام 2011م، وذلك بفضل الأداء الاقتصادي القوي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار النفط والبترول. كما أثمر التنفيذ الناجح لحملة التطعيم الشاملة ضد كوفيد-19 في المملكة عن تحقيق هذا النمو. من المتوقع أن يكون نمو الإنتاج المحلي الإجمالي الحقيقي قريبًا من نسبة 5% في عام 2023م، وحوالي 3% في السنوات التي تليها.

من ناحية أخرى، باعتبارها مستوردًا صافيًا للأغذية والسلع الأخرى، تأثرت المملكة سلبًا بارتفاع معدلات التضخم العالمية. إضافةً إلى ذلك، قام البنك المركزي السعودي بتشديد السياسات النقدية بما يتماشى مع إجراءات البنك الاحتياطي الفيدرالي من أجل الحفاظ على ربط العملة بالدولار الأمريكي.

ومن المتوقع أن تؤثر الزيادات في أسعار الفائدة المحلية تأثيرًا طفيفًا فقط على الأداء الاقتصادي للمملكة التي شهدت ارتفاعًا في أسعار النفط والغاز لفترة طويلة، إلى جانب مستويات السيولة القوية لقطاعها المالي.

علاوة على ذلك، نفذت المملكة مجموعة من الإصلاحات تستهدف من خلالها جذب الاستثمار الأجنبي وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في دعم نمو الاقتصاد. وكان للعديد من هذه الإصلاحات دور فعال في تسهيل مزاولة الأعمال للشركات الناشئة وتقليل المعوقات أمام الشركات الأجنبية لتحفيزها على الاستثمار في الاقتصاد. وتنسجم كل هذه الجهود مع رؤية 2030 وستدعم تنمية اقتصاد المملكة على المدى الطويل.

سوق إنتاج الأغذية في المنطقة

يُعد قطاع إنتاج الأغذية في المملكة العربية السعودية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن ينمو بشكل كبير خلال السنوات الخمس القادمة. وبلغت إيرادات القطاع 57.29 مليار دولار أمريكي في عام 2022م، ومن المتوقع أن ينمو السوق بنسبة 4.78% على أساس سنوي (معدل النمو السنوي المركب بين 2022-2027). وفي هذا السياق، استثمرت المملكة خلال النصف الأول من عام 2022م ما قيمته 187 مليون دولار أمريكي في الشركات الناشئة في قطاع إنتاج الأغذية، مما جعل من سوق إنتاج الأغذية السعودية أكثر جاذبية للمستثمرين. إضافةً إلى الاستثمارات في الشركات الناشئة، دعم التغير السريع في التركيبة السكانية هذا النمو نظرًا للعدد الكبير من السكان الشباب وارتفاع الدخل المتاح والزيادة الكبيرة في معدل السفر عبر الحدود. وفي العموم، تتجه المملكة نحو اعتماد المزيد من السياسات المواتية للأعمال والسياحة، مما سيغير من ديناميكية منظومة الأغذية والمشروبات في المملكة.


  • ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس، الربع الثالث من عام 2022م
  • آفاق الاقتصاد الإقليمي، توقعات صندوق النقد الدولي 2022م
  • تقديرات البنك الدولي
  • بلومبرغ، الربع الثالث 2022م